الإهداء

إلى من فارقونا بلا رجعة ولا يزال لهم مكان دافئٌ وحياةٌ في الذاكرة... إلى الذين يُؤمنون بإحداث الفرْق، ما داموا هم هنا...
إلى من هم أرقي من أن يجعلوا من الحياة، مجرّد صورة يستنسخها الجميع، بنفس المقاسات و بنفس الألوان والمعايير...إلى من قد يُسعفهم الحّظ فلا يُغرقوا أَنفسهم في فنجان ماء لآن الحياة عبارة عن محيط لا مُتناه للمعجزات...و سعيد الحظ هو من يجيد الغوص عميقا لنيلها، من أجل سلامة روحه والوصول بها إلى برّ الآمان...إلى كل زملائي و زميلاتي...إلى كلّ القرّاء و القارئات...

بقلم "منصور يمينة "، أستاذة اللغة الفرنسية.
متوسطة بوعافية القديمة
حاسى بحبح ( الجلفة)

حَديثٌ للعَوانس

جُرح قصيدة ، ُيدمي حديث الكلمات...
تَحكي حكايات البنات العابسات...اليائسات...
أفاض مُصطلح اللغات بنعتهن بالعانسات...
مَنْ عُمٌرهن مُمتَّدٌ على دَق الثوّاني و السَاعات...

قد مرّت العشرون ترسُم أحلاما وهمية...
لفارس العشرين يعزف ألحانا شرقية...
يُهدي لها القمر في أوان مصقولة، فضّية
ومع الشمس يُهديها حمَّامًا دافئا ذهبيَا...


كم كانت جدُّ ناعمة، تلك الأحلامُ و الأيّام...
أزليةُ العذوبة، كلُّها شغفٌ و جموحٌ و أوهام...
تسبح في ملكوت الأرض و الجّن و الإنسان...
ترتشف النورَ من الكواكب و المجرّات و الأكوان...

وتنطلق في عاصفة جامحة للجنون...
لا تخشى اللّوم ولا المغامرة و لا المنون...
تعزف من نسيم الريح، أهازيجا وموسيقى،
"لشوپان،" لبَرليوز" و"لزرياب"...و للفّن و للفنون...

ولو لم يكن طيش الشّباب،لما وُلدت تلك القصص...
لقيس" و "روميو" و"كازانوفا" و" لشكسبير" لهم في كلّ واحدة حصص...
فلا الحياة هي ماض ولىّ و لاهي مُستقبل مجهول سوف يتجلّى
...بل فقط اللّحظةُ الحاضرة، الحاضرة...
تُغتنم في خلسة أو لعبة محظورة وعابرة...
نسبيةٌ أحكامها هي الحياة و جائرة...

صغيرةٌ، كانت تعدو وراء الفراشات
تُزّين شعرَ رأسها الصغير بالزهرات...
تلعب بالدّمى و ترسمها بالرّيشات
تسبح في حقول خضراء السنبلات...
و تطير في الفضاء، عبر الزمن و السماوات.

تحلم ببيت تأرجحه أمواج البحر...
نوافذه أبوابٌ، تعبُرها ألوان الفجر.
يده ليدها، تُهدي أزهارا وتُهدى كتبًا للشّعر...
و قصائد حبّ و قافيات و أغنيات...مدى العمر...

يده، تغطيها برداء السَتْر...أريجه من أريج الزهر...
تحيك لها درعا، يحميها من أشواك الدهر .
لا جروحا ُتدميها، و لا لوم و لاذعر ولا قهر...
و لا عَبَرات و لا سقم و لا ألم و لا غدر...

على غرَّة، بعد العشرين تمُّر العشرة...
و يبقى الفارس على الحصان في حيرة.
و لا تزال تنتظر،تستجدي منه النّظرة.
و نزولا من على الصّهوة و لو لمرّة...لمرّة

ليحكي لها قصص الجند و الحروب...
ليحكي لها قصص السلام والوعود...
في أرض لم تمطر سماؤها سوى بالرعود
لكي تُخرج حُمرة شفق الأقحوان المنتظر، الموعود...

ليأخذها إلى مكان، ليس يسكنه البؤس...
ليمسح عن عيونها أجفانا أ ذاب أهدابها اليأس ...
و يغمرها بروحه لتسطع منها أشّعةُ روح الشّمس...
ويخبؤّها بصدره، كقلبه به تدق... و هو بها يحيا، يُحّس...

و تمضي بها الأيّام وتمضي العقود، لعّل و عسى...
الأخريات يرسمن أفراحًا، وهي في مأتم تكتب دواوين الأسى...
تنظر إلى الباب و تنتظر، هل الطارق نَسَي؟
أنّها خلف الباب، أنّها تنتظر...وحيدةٌ...هي العانسه...

فستانها الأبيض مَنسيٌ شاحبٌ، فقد الرونق...
له مكان في الخزانة، كم من زاوية به تترّفق...
يحتسب من الأيّام " خميسًا"،ربمّا فيه قد يتأّنق...
كما ينتظر "علاءُ الدّين" من المصباح، خروج الجنّي الأزرق...

فتمحي ذاكرتها بدلو من الحبر...
كي تنسى ألاما و بطش من الدّهر...
كي تنسى زوايا جدران غرفتها...
و تنسى أعداءا ، جاروا عليها حتّى من عشيرتها...

بَنَت لها من الجدران حصْنًا...
من الأسمنت والزمن والحكايات...
وتسأل المرآة حينًا...من هي أتعس التعيسات؟
من ذي التي عَبَرها الزمان كما عَبَر الحبرُ "الَفُرات"؟...
من هذه المنسية،ُ الضائعة،ُ الصامتة ُ كالأموات...

و تمُّر العشَرة، تليها العشَرة...
و تمّر السنّين و تَذوي العيون و البَشرة...
ضَحكات أطفال، هم ليسوا لها بالمرّة...
ساروا معا خلف مأتم أمومتها الغرَّة...

حلمٌ قد كان يُراودها، مذ أن لعبت بدُميتها...
طفلٌ يُفّجر بسيل، أوديةَ حنان برُمَّتها...
طفلٌ يُناديها "أمّي" فتسمو الروح لبارئها...
وملءُ البحر تُغدقه من فيض حنان يَمليها...

إن فاض الجيب، ببعض المال فزيجةٌ أُخرى حلال…
وليس فيه من معروف لمن صنعت عظَم الرجّال…
على الشراكة أقسمت،وأضحى الحال إلى المحال…
فالعفّة و شيَّمُ الوفاء كلماتٌ ُتنسجها كتُب الخيال…

بعد الخمسين هو استفاق،و به العيش قد ضاق...
صار يلُوم والديْه…ويبحث عن كلّ الحلول...
فتّيا... هما زوَّجاه و ضيَّعاه و رميَاه في بحر الحيرة و الذهول…
كتيبةٌ من الأولاد و زوجةٌ ُملهمةٌ للرّتابة و الخمول…
والآن يرنو إلى قفزة نوعية على " النَّتْ" أو المحمول…

فصار يُكثر السّهر و شرب القهوة والسمر…
الكلّ في البيت نيام و هو يُساير للظَفَر…
و باحثا لروحه عن أختها في موقع مُفترض، مُغيّر ظُلم القَدر…
و لكي يداري غدره، يتأفف ويغضبُ…ويأتمر...

الشّرْعُ قد أحّل له، من النسّاء أربعة...
الأولى صارت مُهْملة، بدينةٌ و مُفزعة...
أفنَت عليه شبابها والآن صارت بَشعة...
وهو يريد اليانعة، النضرة، الصغيرةُ المرّبعة...


هي تريد ماله، و حسبه أولاده...
و هو يريد جمالها، مرممّا أشلا ءهُ، مجدّدا شبابهُ...
قال يريد فعل الخير، و زاعما حسن التقدير...
مُتناسيا أنّ الضحك هو من يضحك في الأخير...

فمن يريد قتل كلبه، يجد له ألف سبب...
يصيبه بالجرب حينا و حيناً يدّعي الكَلَب...
غدر الإنسان ما أقساه يدعمه فنّ الكذب...
فليس أوفى من حيوان ولو كان اسمه "الكلب"...

الوقت يمضي، تاركا كم من شُجون...
والناس تمضي في سباق للجنون...
والمبسم الغّض، خطفت فرحته الليّالي و السنون...
وليس من سائل:" هل لهذا الكون من عيون؟"

ولولا فُسحة الأمل لضاق العيش بالعلل...
وأضحى الكون لا ُيطاق، و عيشٌ يمضي في كلل...
و أيّاما بطول الليل، بطول ليل لا َيفَل...
و كالصبح يضيءُ الغّد، قد يحمل كلّ الأمل...

ولو كان العيش انتظارًا، في ركوب للقطار...
لذهب العمر سُدًى، في تطويق و حصار...
فمن الأبواب ما يَفتح عن حدائق و أسرار...
َننعم بها جميعُنا...و تَنتظر من يطرق عنها باب الدّار...

وقتَ نَعي معنًى للحّب الأروع…
يكون قد مرّ الزمّان…
يكون قد فات الأوان، و صار العمر...
في إعراب خبر كان…
و حجم رأس خسارة أَضخم من رأس يُدان…
في محكمة هي للبشر، لا تفقه معنى المُستتّر...
حسبُها الظّاهرُ للعيان…

وضع الأمور في ميزان، يرسم لنا طريقنا...
ليس هناك حبٌّ قاتل سوى حبّ لأنفسنا...
ونرجسيةٌ تدعونا إلى النظر في مرآتنا...
و من الحّب، مالم نبلغْ...نرضى بالذّي بيدنا...

فالزّمن يمضي بنا و بنا هو لا َيأبهْ...
هل نعي معنى الحياة ؟...
أم أنّنا نمضي مُضّي المُغفّل الأبْلَهْ...
و يسخر ممن لا يفقهْ...
أنّ للحُّب كثيٌر من الأسماء و الأوجُهْ.



Mansour Yamina / 05/ 2012

سوف تُنشَر ترجمة للقصيدة باللغة الفرنسية، عن قريب...شكرا لقراءتكم.

Une version, en langue française suivra ce travail, prochainement.